فصل: 1- الوجه العام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.الفصل الأول إعجاز القرآن (تعريفه- دليله):

.تمهيد:

بعث الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وجعله خاتم النبيين والمرسلين، وأيّده بمعجزات باهرة كان أعظمها وأدومها معجزة القرآن الكريم، تلك المعجزة الخالدة التي كانت معجزة العقل البشري في أرقى تطورات نضجه ونموه، فبينما كان تأييد الله عزّ وجلّ لرسله السابقين بآيات كونية تبهر الأبصار، ولا سبيل للعقل في معارضتها- كمعجزة اليد والعصا لموسى عليه السلام، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام- كانت معجزة محمد صلّى الله عليه وسلّم في عصر مشرف على العلم معجزة عقلية، تحاجّ العقل البشري وتتحداه إلى الأبد، معجزة لها صلة بوظيفة النبوة وأهداف الوحي ومعنى الشريعة، معجزة تدخل في صميم كتاب الرسالة نفسها، وهي هذا الكتاب الذي تطّلع عليه الأجيال في كل زمن، ويتلونه في كل عصر، فيلمسون فيه البرهان العظيم على إعجازه، حيث يرون أن العقل الإنساني- على تقدمه- لم يعجز عن معارضته لأنه آية كونية لا قبل له بها، وإنما لعجز وقصور ذاتي في العقل نفسه، فيكون هذا دليلا واعترافا على أنه وحي الله تعالى، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم صادق في رسالته، لأنه هو الذي بلّغه إلينا عن ربه.
وهذا المعنى هو ما أشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
وإنما يكون أكثر الأنبياء تابعا لأن معجزته تشاهد بالبصيرة، ومعجزات غيره تشاهد بالبصر، وما يشاهد بالبصيرة باق يشاهده كلّ من جاء باستمرار.
ولما كان القرآن المعجزة الخالدة الكبرى؛ كان الحديث عن إعجاز القرآن من أهم الأبحاث المتعلقة بالقرآن وآدابه وعلومه، وهو لبها وجوهرها، وأساسها وعمدتها، على أن الحديث عن الإعجاز ضرب من الإعجاز، لا يصل الباحث فيه إلى سرّ منه، حتى يجد وراءه جوانب أخرى يكشف عن سرّ إعجازها الزمن، فهو كما يقول الرافعي: وما أشبه القرآن الكريم- في تركيب إعجازه وإعجاز تركيبه- بصورة كلامية من نظام هذا الكون الذي اكتنفه العلماء من كل جهة وتعاوروه من كل ناحية، وأخلقوا جوانبه بحثا وتفتيشا، ثم هو بعد لا يزال عندهم على كل ذلك خلقا جديدا، ومراما بعيدا، وصعبا شديدا، وإنما بلغوا منه- إذ بلغوا- نزرا تهيأت لضعفه أسبابه، وقليلا عرف لقلته حسابه، وبقي ما وراء ذلك من الأمر المتعذر الذي وقفت عنده الأعذار، والابتغاء المعجز الذي انحط عنده قدر الإنسان، لأنه مما سمت به الأقدار.
وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42].

.1- تعريفه:

الإعجاز- لغة- إثبات العجز، وهو الضعف والقصور عن فعل الشيء، وهو ضد القدرة، ومنه المعجزة، وهي- اصطلاحا- أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة.
والإعجاز هو: ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة ومزاولتها، على شدة الإنسان واتصال عنايته في ذلك، ثم استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه.
وإعجاز القرآن: معناه: إظهار صدق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة- وهي القرآن- وعجز الأجيال بعدهم عن ذلك.
وذلك أن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته، أو تشريعه، أو مغيباته.

.2- دليل الإعجاز في القرآن:

قام محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه- يعرض دعوته على الناس، ويخبرهم أنه رسول الله إليهم جميعا، ولما سألوه أن يأتيهم بمعجزة تدلّ على صدق دعوته، وتبرهن على صحة رسالته، أجابهم بما أخبره به الله تعالى، وأبان لهم أن معجزته الواضحة، وآيته الساطعة، ودليله الصادق، الذي يقوم مقام معجزات من سبقه من الأنبياء هو ما يتلوه عليهم من قرآن: {وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 50- 51] ويتجلّى دليل الإعجاز بالمظاهر التالية:
1- تحدي المشركين العرب أن يعارضوه.
لما طلب هؤلاء المعجزة، وجاءهم ذاك الجواب من رب العزة لم يذعنوا للحق الذي عرفوه: {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5] ولم يكتفوا بذلك بل مالوا إلى العناد والمكابرة، غافلين عن العاقبة التي ستكشف حالهم، وقالوا: {قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 30].
وهنا حان الوقت لتحطيم هذا العناد وكشف هذه المواربة، وأخذ القرآن يتحداهم بدعواهم نفسها: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ} [الطور: 33- 34] فوجهم هؤلاء أمام هذا التحدي الصارم الذي لم يتوقّعوه، وسقط في أيديهم.
ثم أخذ القرآن يبكّت عليهم دعواهم، وينوّع لهم في أشكال من التحدي:
يقرّعهم تارة ويحمّسهم أخرى، ويبالغ في تحديهم وإثبات عجزهم: فيتدرج من التحدي بالإتيان بمثل القرآن، إلى التحدي بعشر سور مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 13- 14].
ثم يتدرج فيتحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [يونس: 38]. بل إن لم تكن مثله فلتكن شبيهة به، قريبة منه: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [البقرة: 23]. كل ذلك مع السماح لهم أن يستعينوا بمن شاءوا وأرادوا ممن يتصورون لديهم العون، ويتوقعون منهم النصرة.
ثم يصل التحدّي غايته، ويبلغ منتهاه، ليدفعهم بالحقيقة التي لا مرية فيها، ويقطع عليهم الطريق ويسد في وجههم السبل، فيسجل عليهم العجز ولو اجتمع لذلك الجن والإنس: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]. بل يصل الأمر إلى صراحة في التحدي لا يمكن أن يجرؤ عليها بشر ذو عقل- لو كان هو الذي يقول ذلك- فينفي عنهم القدرة على سبيل التأييد: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} [البقرة: 24].
2- عجزهم عن المعارضة واضطراب موقفهم:
كان هذا التحدي والعرب في ذروة مجدهم فصاحة وبلاغة، ومعرفة بفنون القول وأساليب الكلام، فكان مقتضى ذلك- وهم أكثر ما يكونون حرصا على إطفاء نوره وإخفاء أمره- أن يهبوا لمعارضته، ويدفعوا بذلك خطره عنهم، ويمحوا الخزي الذي ألصقه بهم- لو كان ذلك في مقدورهم- كيف لا، وهم الذين قالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا؟ ولكن شيئا من هذا لم يحصل، ولم ينقل عن واحد منهم أنه استجاب لتحدي القرآن في محاولة ما، أو حدّث نفسه بشيء من ذلك.
وإنما الذي حصل هو أنهم تعدوا هذا وعدلوا إلى مسالك شائكة، وانتهجوا أساليب ملتوية، فما أن قرع القرآن أسماعهم بهذا التحدي الصارخ حتى اضطربوا في قولهم، وحاروا في أمرهم، ولجؤوا إلى وصفه بالشعر تارة، وبالسحر أخرى، وبالكهانة مرة، وبالجنون حينا، وغير ذلك مما اضطربوا فيه وتلجلجوا وسجله عليهم القرآن: {بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5]. {وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ} [الزخرف: 30]. {أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36]. {وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الحاقة: 41- 43].
ولما كانت أباطيلهم هذه بادية العوار- كما فندها القرآن- ظاهرة في إعلان ضعفهم وعجزهم عن مقارعة الحجة بالحجة، وهروبا صريحا من التحدي، لم يجدوا بدا من سلوك الطريق الصعب، واللجوء إلى القوة، ولو كلفتهم الغالي والنفيس، وحكمت السيوف في أعناقهم، وأفقدتهم الأزواج والأولاد، وأباحت دماءهم وأموالهم. وكل هذا قد حصل، وآثروه- وهم أكثر الناس حمية وأنفة- على أن يتصدوا لمعارضة القرآن، وما ذلك إلا لأنهم علموا أنه ليس بمقدورهم الإتيان بمثله، وإلا لبادروا إليه ولكان أهون عليهم وأقل كلفة. وإذا ثبت أنه ليس في مقدورهم ثبت- من باب أولى- أنه ليس في مقدور غيرهم، وبالتالي ثبت أنه ليس من كلام البشر.
هذا ولقد استمرّ هذا التحدّي يقرع آذان الأدباء والشعراء والبلغاء- على اختلاف نحلهم ومذاهبهم- في كل عصر وقرن، واستمر هذا الوجوم أمام شموخ القرآن في إعجازه، ولم يجرؤ أحد- ممن عنده أثارة من علم أو فهم- على أن يتصدى لهذا الشموخ، وهذا دليل مادي ملموس من أقوى دلائل الإعجاز في القرآن، وما ورد من محاولات سخيفة في معارضته فإنما هو هذيان نجلّ المقام عن ذكره.
3- سماعه حجة:
من دلائل الإعجاز في القرآن أن الله سبحانه وتعالى جعل سماعه حجّة، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] فلولا أن سماعه حجة لما وقف أمنه على سماعه، ولا يكون حجة إلا إذا كان معجزة.
4- تأثيره النفسي:
لعل من أقوى دلائل الإعجاز في القرآن هو ذاك التأثير الذي يبعثه في النفوس، فإنه لا يكاد يطرق السمع حتى يخلص إلى القلب، وتجد منه النفس لذة وحلاوة، لا تجدهما في غيره من الكلام، يستوي في ذلك أصحاب القلوب القاسية وذوو الأفئدة الخاشعة، فلقد سحر القرآن العرب منذ اللحظة الأولى، فآمن منهم من شرح الله صدره للإسلام، وكفر منهم من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة.
ولا أدل على هذا التأثير النفسي الذي يؤكد إعجاز القرآن من ذلك القول الذي كان يتواصى به المشركون، وحكاه عنهم القرآن: {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]. ورغم ذلك فقد كانوا ينشدون إلى بيت محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه- ليستمعوا لهذا القرآن الذي أخذ بمجامع قلوبهم وسحر عقولهم، ولا غرابة وهو الكلام المنزل الذي يقول الله تعالى فيه: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21] وقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدا، وليس غريبا عنك قول الوليد بن المغيرة فيه:
والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى. وقول عتبة بن ربيعة: إني سمعت قولا، والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة. فقال له القوم: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم، وما إسلام عمر رضي الله عنه وأمثاله عنك ببعيد.

.الفصل الثاني وجوه الإعجاز في القرآن:

لقد كثر القول بين العلماء في وجوه الإعجاز في القرآن وتنوّع هذه الوجوه وتعددها، وأيا كان ذلك القول فالقرآن معجز بكل ما يتحمله هذا اللفظ من معنى، فهو معجز في ألفاظه وأسلوبه، ومعجز في بيانه ونظمه، ومعجز بعلومه ومعارفه، ومعجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان.
والباحث المنصف الذي يطلب الحق إذا نظر في القرآن- من أي النواحي أحبّ- وجد الإعجاز فيه واضحا جليا.
ويمكننا أن نبحث في إعجاز القرآن من وجهين: وجه عام ووجه خاص.

.1- الوجه العام:

وهو الإعجاز الذي يدركه العقلاء من الناس كلهم، عربيهم وأعجميهم، وتكامل بتكامل القرآن، ويكون أكثر وضوحا وبيانا إذا أخذ القرآن بمجمله، بمجمل ما فيه من إخبار بالغيب، وما اشتمل عليه من تشريع دقيق صالح لكل زمان ومكان، وما أشار إليه من علوم كونية في خلق الكون والإنسان.
ويتجلى هذا الوجه من الإعجاز بالمظاهر التالية:

.أولا- الإخبار عن المغيبات:

ويتحقق هذا الوجه من الإعجاز بناحيتين:

.أ- الإخبار عن الماضي:

من مظاهر الإعجاز في القرآن إخباره عن الماضي السحيق من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى مبعثه صلّى الله عليه وسلّم، فقد أتى بكثير من الأخبار التاريخية التي ضاعت صورتها الحقيقية في أخلاط التاريخ القديم للأمم، وكثير من هذه القصص وتلك الأخبار لم يكن يعرفه العرب، ولم يوجد إلا بعض منه في الكتب السماوية السابقة على اختلاف فيما بينها، فأتى القرآن وتحدّث بدقة عن ذلك، وحكى هذه الأخبار حكاية من شاهدها وحضرها، ولم يوجد في التاريخ شيء يصح الاعتماد عليه- أو لا يصح- يخالف ما جاء في القرآن من هذه الأخبار. بل قد جاءت دلائل الآثار الأرضية- بعد قرون من نزوله- فصدقت حقائقها- التي توصل إليها علماء الآثار- الصور الخبرية التي جاءت في القرآن الكريم.
ومثال ذلك: كشف علم التاريخ حديثا أن بني إسرائيل- في دور من أدوار حلولهم مصر القديمة- استحسنوا العقيدة التي كانت تقول: إن العزيز ابن الله، وهذه الحقيقة التاريخية لم تكن معروفة لدى بني إسرائيل أو غيرهم عند نزول القرآن، ولكنا نجده يقررها بقوله تعالى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] حتى قال اليهود عند سماع هذه الآية: إن القرآن يقول لنا ما لم نقل في كتبنا ولا في عقائدنا.